فصل: المسألة السادسة ـ اختلف العلماء في تعيين ولي المقتول الذي جعل الله له هذا السلطان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **


قال‏:‏ فكان ذلك كذلك، حتى استخلف عمر رحمه الله تعالى فقام خطيبًا فقال‏:‏ ألا إن الإبل قد غلت، قال‏:‏ ففرضها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة‏.‏ وترك دية أهل الذِّمة لم يرفعها فيما رفع من الدية‏.‏

حدثنا موسى بن اسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئًا لم يحفظه محمد‏"‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني قال‏:‏ ثنا أبو تميلة، ثنا محمد بن إسحاق قال‏:‏ ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏ فذكر مثل حديث موسى ـ وقال‏:‏ وعلى أهل الطعام شيئًا لم أحفظه اهـ‏.‏ وقال النسائي في سننه‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون، قال‏:‏ أنبأنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قتل خطأ فديته مائة من الإبل‏:‏ ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكور‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومها على أهل القرى أربعمائة دينار، أو عدلها من الورق‏.‏ ويقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها ـ على نحو الزمان ما كان‏.‏ فبلغ قيمتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الأربعمائة دينار، إلى ثمانمائة دينار أو عدلها من الورق‏.‏

قال‏:‏ وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر‏:‏ على أهل البقر مائتي بقرة‏.‏ ومن كان عقله في الشاء‏:‏ ألفي شاة‏.‏ وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم، فما فضل فللعصبة‏"‏ وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أن يعقل على المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثون منه إلا ما فضل عن ورثتها‏.‏ وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها‏"‏‏.‏ وقال النسائي في سننه‏:‏ أخبرنا محمد بن المثنى، عن معاذ بن هانىء قال‏:‏ حدثني محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار ‏(‏ح‏)‏ وأخبرنا أبو داود قال‏:‏ حدثنا معاذ بن هانىء قال‏:‏ حدثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ قتل رجل رجلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فجعل النَّبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا ـ وذكر قوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ‏}‏ في أخذهم الدية واللفظ لأبي داود‏:‏ أخبرنا محمد بن ميمون قال‏:‏ حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس‏:‏

أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏قضى باثني عشر ألفًا‏"‏ يعني في الدية ـ انتهى كلام النسائي رحمه الله‏.‏

وقال أبو داود في سننه أيضًا‏:‏ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، ثنا زيد بن الحباب، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار عن عكرمة، عن ابن عباس‏:‏ أن رجلًا من بني عدي قتل‏.‏ فجعل النَّبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا‏.‏ قال أبو داود‏:‏ رواه ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن عباس‏.‏

وقال ابن ماجه في سننه‏:‏ حدثنا العباس بن جعفر، ثنا محمد بن سنان، ثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏جعل الدية اثني عشر ألفًا‏"‏ قال‏:‏ وذلك قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ‏}‏ قال‏:‏ بأخذهم الدية‏.‏

وفي الموطأ عن مالك‏:‏ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم‏.‏ قال مالك‏:‏ فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر، وأهل الورق أهل العراق‏.‏

وعن مالك في الموطأ أيضًا‏:‏ أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين‏.‏ قال مالك‏:‏ والثلاث أحب ما سمعت إلى في ذلك‏.‏

قال مالك‏:‏ الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل، ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق، ولا من أهل الذهب الورق، ولا من أهل الورق الذهب‏.‏

فروع تتعلق بهذه المسألة‏.‏

الأول ـ جمهور أهل العلم على أن الدية في الخطأ وشبه العمد مؤجلة في ثلاث سنين، يدفع ثلثها في كل واحد من السنين الثلاث‏.‏

قال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ ولا خلاف بينهم في أنها مؤجلة في ثلاث سنين‏.‏ فإن عمر وعليًا رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفًا‏.‏ فاتبعهم على ذلك أهل العلم اهـ‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ ومثل هذا يسمى إجماعًا سكوتيًا، وهو حجة ظنية عند جماعة من أهل الأصول، وأشار إلى ذلك صاحب ‏"‏مراقي السعود‏"‏ مع بيان شرط الاحتجاج به عند من يقول بذلك بقوله‏:‏

وجعل من سكت مثل من أقر فيه خلاف بينهم قد اشتهر

فالاحتجاج بالسكوتي نما تفريعه عليه من تقدما

وهو بفقد السخط والضد حرى مع مضي مهلة للنظر

وتأجيلها في ثلاث سنين هو قول أكثر أهل العلم‏.‏

الفرع الثاني ـ اختلف العلماء في نفس الجاني‏.‏ هل يلزمه قسط من دية الخطأ كواحد من العاقلة، أو لا‏.‏

فمذهب أبي حنيفة، ومشهور مذهب مالك‏:‏ أن الجاني يلزمه قسط من الدية كواحد من العاقلة‏.‏

وذهب الإمام أحمد، والشافعي‏:‏ إلى أنه لا يلزمه من الدية شيء، لظاهر حديث أبي هريرة المتفق عليه المتقدم‏:‏ أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏قضى بالدية على عاقلة المرأة‏"‏ وظاهره قضاؤه بجميع الدية على العاقلة‏.‏ وحجة القول الآخر‏:‏ أن أصل الجناية عليه وهم معينون له‏.‏ فيتحمل عن نفسه مثل ما يتحمل رجل من عاقلته‏.‏

الفرع الثالث ـ اختلف العلماء في تعيين العاقلة التي تحمل عن الجاني دية الخطأ‏.‏

فمذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله‏:‏ أن العاقلة هم أهل ديوان القاتل إن كان القاتل من أهل ديوان، وأهل الديوان أهل الرايات، وهم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان لمناصرة بعضهم بعضًا، تؤخذ الدية من عطاياهم في ثلاث سنين‏.‏

وإن لم يكن من أهل ديوان فعاقلته قبيلته، وتقسم عليهم في ثلاث سنين‏.‏ فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسبًا على ترتيب العصبات‏.‏

ومذهب مالك رحمه الله ـ البداءة بأهل الديوان أيضًا‏.‏ فتؤخذ الدية من عطاياهم في ثلاث سنين‏.‏ فإن لم يكن عطاؤهم قائمًا فعاقلته عصبته الأقرب فالأقرب‏.‏ ولا يحمل النساء ولا الصبيان شيئًا من العقل‏.‏

وليس لأموال العاقلة حد إذا بلغته عقلوا، ولا لما يؤخذ منهم حد‏.‏ ولا يكلف أغنياؤهم الأداء عن فقرائهم‏.‏

ومن لم تكن له عصبة فعقله في بيت مال المسلمين‏.‏

والموالي بمنزلة العصبة من القرابة‏.‏ ويدخل في القرابة الابن والأب‏.‏

قال سحنون‏:‏ إن كانت العاقلة ألفًا فهم قليل، يضم إليهم أقرب القبائل إليهم‏.‏

ومذهب أبي حنيفة رحمه الله‏:‏ أنه لا يؤخذ من واحد من أفراد العصبة من الدية أكثر من درهم وثلث في كل سنة من السنين الثلاث‏.‏ فالمجموع أربعة دراهم‏.‏

ومذهب أحمد والشافعي‏:‏ أن أهل الديوان لا مدخل لهم في العقل إلا إذا كانوا عصبة‏.‏ ومذهبهما رحمهما الله‏:‏ أن العاقلة هي العصبة، إلا أنهم اختلفوا هل يدخل في ذلك الأبناء والآباء‏؟‏ فعن أحمد في إحدى الروايتين‏:‏ أنهم داخلون في العصبة‏.‏ لأنهم أقرب العصبة‏.‏ وعن أحمد رواية أخرى والشافعي‏:‏ أنهم لا يدخلون في العاقلة‏.‏ لظاهر حديث أبي هريرة المتفق عليه المتقدم‏:‏ ‏"‏أن ميراث المرأة لولدها، والدية على عاقلتها‏"‏ وظاهره عدم دخول أولادها‏.‏ فقيس الآباء على الأولاد‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ واختلف أهل العلم فيما يحمله كل واحد منهم‏.‏

فقال أحمد‏.‏ يحملون على قدر ما يطيقون‏.‏ هذا لا يتقدر شرعًا‏.‏ وإنما يرجح فيه إلى اجتهاد الحاكم‏.‏ فيفرض على كل واحد قدرًا يسهل ولا يؤذي، وهذا مذهب مالك‏.‏ لأن التقدير لا يثبت إلا بتوقيف‏.‏ ولا يثبت بالرأي والتحكم‏.‏ ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها إلى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات‏.‏

وعن أحمد رواية أخرى‏:‏ أنه يفرض على الموسر نصف مثقال‏.‏ لأنه أقل مال يتقدر في الزكاة فكان معبرًا بها‏.‏ ويجب على المتوسط ربع مثقال، لأن ما دون ذلك تافه لكون اليد لا تقطع فيه‏.‏ وقد قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ لا تقطع اليد في الشيء التافه، وما دون ربع دينار لا تقطع فيه‏.‏ وهذا اختيار أبي بكر، ومذهب الشافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ أكثر ما يحمل على الواحد أربعة دراهم، وليس لأقله حد اهـ كلام صاحب ‏"‏المغني‏"‏‏.‏

الفرع الرابع ـ لا تحمل العاقلة شيئًا من الكفارة المنصوص عليها في قوله ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ بل هي في مال الجاني إجماعًا‏.‏ وشذ من قال‏:‏ هي في بيت المال‏.‏

والكفارة في قتل الخطأ واجبة إجماعًا بنص الآية الكريمة الصريحة في ذلك‏.‏

واختلفوا في العمد، واختلافهم فيه مشهور، وأجرى القولين على القياس عندي قول من قال‏:‏ لا كفارة في العمد، لأن العمد في القتل أعظم من أن يكفره العتق‏.‏ لقوله تعالى في القاتل عمدًا‏:‏ ‏{‏فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً‏}‏ فهذا الأمر أعلى وأفخم من أن يكفر بعتق رقبة‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

والدية لا تحملها العاقلة إن كان القتل خطأ ثابتًا بإقرار الجاني ولم يصدقوه، بل إنما تحملها إن ثبت القتل بينة، كما ذهب إلى هذا عامة أهل العلم، منهم ابن عباس، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وسليمان بن موسى، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق‏.‏ وبه قال الشافعي، وأحمد، ومالك، وأبو حنيفة وغيرهم‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

الفرع الخامس ـ جمهور العلماء على أن دية المرأة الحرة المسلمة نصف دية الرجل الحر المسلم على ما بينا‏.‏

قال ابن المنذر، وابن عبد البر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل‏.‏ وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا‏:‏ ديتها كدية الرجل‏.‏ وهذا قول شاذ، مخالف لإجماع الصحابة كما قاله صاحب المغني‏.‏

وجراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى ثلث الدية، فإن بلغت الثلث فعلى النصف‏.‏ قال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ وروي هذا عن عمر، وابن عمر، وزيد بن ثابت‏.‏ وبه قال سعيد بن المسيب‏.‏ وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير، والزهري وقتادة، والأعرج، وربيعة، ومالك‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وهو قول فقهاء المدينة السبعة‏.‏ وجمهور أهل المدينة وحكي عن الشافعي في القديم‏.‏

وقال الحسن‏:‏ يستويان إلى النصف‏.‏ وروي عن علي رضي الله عنه‏:‏ أنها على النصف فيما قل أو أكثر‏.‏ وروي ذلك عن ابن سيرين‏.‏ وبه قال الثوري، والليث، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبو حنيفة وأصحابه‏.‏ وأبو ثور، والشافعي في ظاهر مذهبه، واختاره ابن المنذر‏.‏ لأنهما شخصان تختلف دية نفسهما فاختلف أرش جراحهما اهـ وهذا القول أقيس‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ كلام ابن قدامة والخرقي صريح في أن ما بلغ ثلث الدية يستويان فيه، وأن تفضيله عليها بنصف الدية إنما هو فيما زاد على الثلث‏.‏ فمقتضى كلامهما أن دية جائفة المرأة ومأمومتها كدية جائفة الرجل ومأمومته‏.‏ لأن في كل من الجائفة والمأمومة ثلث الدية، وأن عقلها لا يكون على النصف من عقله إلا فيما زاد على الثلث، كدية أربعة أصابع من اليد، فإن فيها أربعين من الإبل، إذ في كل إصبع عشر، والأربعون أكثر من ثلث المائة‏.‏ وكلام مالك في الموطإ وغيره صريح في أن ما بلغ الثلث كالجائفة والمأمومة تكون دية المرأة فيه على النصف من دية الرجل، وأن محل استوائها إنما هو فيما دون الثلث خاصة كالموضحة والمنقلة، والإصبع والإصبعين والثلاثة‏.‏ وهما قولان معروفان لأهل العلم‏.‏ وأصحهما هو ما ذكرناه عن مالك، ورجحه ابن قدامة في آخر كلامه بالحديث الآتي إن شاء الله تعالى‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ وهذا القول مشكل جدًا لأنه يقتضي أن المرأة إن قطعت من يدها ثلاثة أصابع كانت ديتها ثلاثين من الإبل كأصابع الرجل لأنها دون الثلث‏.‏ وإن قطعت من يدها أربعة أصابع كانت ديتها عشرين من الإبل، لأنها زادت على الثلث فصارت على النصف من دية الرجل‏.‏ وكون دية الأصابع الثلاثة ثلاثين من الإبل، ودية الأصابع الأربعة في غاية الإشكال كما ترى‏.‏

وقد استشكل هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، على سعيد بن المسيب، فأجابه بأن هذا هو السنة‏.‏ ففي موطإ مالك رحمه الله عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال‏:‏ سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة‏؟‏ قال‏:‏ عشر من الإبل‏.‏ فقلت‏:‏ كم في إصبعين‏؟‏ قال‏:‏ عشرون من الإبل‏.‏ فقلت كم في ثلاث‏؟‏ فقال‏:‏ ثلاثون من الإبل‏.‏ فقلت‏:‏ كم في أربع‏؟‏ قال‏:‏ عشرون من الإبل‏.‏ فقلت‏:‏ حين عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها‏؟‏ فقال سعيد‏:‏ أعراقي أنت‏؟‏ فقلت‏.‏ بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم‏.‏ فقال سعيد‏:‏ هي السنة يا بن أخي?

وظاهر كلام سعيد هذا‏:‏ أن هذا من سنة النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولو قلنا‏:‏ إن هذا له حكم الرفع فإنه مرسل، لأن سعيدًا لم يدرك زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومراسيل سعيد بن المسيب قد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة ‏"‏الأنعام‏"‏ مع أن بعض أهل العلم قال‏:‏ إن مراده بالسنة هنا سنة أهل المدينة‏.‏

وقال النسائي رحمه الله في سننه‏:‏ أخبرنا عيسى بن يونس قال‏:‏ حدثنا حمزة، عن إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها‏"‏ اهـ وهذا يعضد قول سعيد‏.‏

إن هذا هو السنة‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ إسناد النسائي هذا ضعيف فيما يظهر من جهتين‏.‏

إحداهما ـ أن اسماعيل بن عياش رواه عن ابن جريج، ورواية إسماعيل المذكور عن غير الشاميين ضعيفة كما قدمنا إيضاحه‏.‏ وابن جريج ليس بشامي، بل هو حجازي مكي‏.‏

الثانية ـ أن ابن جريج عنعنه عن عمرو بن شعيب، وابن جريج رحمه الله مدلس، وعنعنة المدلس لا يحتج بها ما لم يثبت السماع من طريق أخرى كما تقرر في علوم الحديث‏.‏ ويؤيد هذا الإعلال ما قاله الترمذي رحمه الله‏:‏ من أن محمد بن إسماعيل يعني البخاري قال‏.‏ إن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب، كما نقله عنه ابن حجر في ‏"‏تهذيب التهذيب‏"‏ في ترجمة ابن جريج المذكور‏.‏

وبما ذكرنا تعلم أن تصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث غير صحيح‏.‏ وإن نقله عنه ابن حجر في ‏"‏بلوغ المرام‏"‏ وسكت عليه‏.‏ والله أعلم‏.‏ وهذا مع ما تقدم من كون ما تضمنه هذا الحديث يلزمه أن يكون في ثلاثة أصابع من أصابع المرأة ثلاثون، وفي أربعة أصابع عشرون‏.‏ وهذا مخالف لما عهد من حكمة هذا الشرع الكريم كما ترى‏.‏ اللهم إلا أن يقال‏:‏ إن جعل المرأة على النصف من الرجل فيما بلغ الثالث فصاعدًا أنه في الزائد فقط‏.‏ فيكون في أربعة أصابع من أصابعها خمس وثلاثون، فيكون النقص في العشرة الرابعة فقط‏.‏ وهذا معقول وظاهر، والحديث محتمل له، والله أعلم‏.‏

ومن الأدلة على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل ـ ما رواه البيهقي في السنن الكبرى من وجهين عن عبادة بن نُسَي، عن ابن غنم، عن معاذ بن جبل قال قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏دية المرأة على النصف من دية الرجل‏"‏ ثم قال البيهقي رحمه الله‏:‏ وروي من وجه آخر عن عبادة بن نسي وفيه ضعف‏.‏ ومعلوم أن عبادة بن نُسَي ثقة فاضل‏.‏ فالضعف الذي يعنيه البيهقي من غيره‏.‏ وأخرج البيهقي أيضًا عن علي مرفوعًا ‏"‏دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل‏"‏ وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع‏.‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه، وأخرجه أيضًا من وجه آخر عنه وعن عمر ـ قاله الشوكاني رحمه الله‏.‏

الفرع السادس ـ اعلم أن أصح الأقوال وأظهرها دليلًا‏:‏ أن دية الكافر الذمي على النصف من دية المسلم‏.‏ كما قدمنا عن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‏:‏ أن دية أهل الكتاب كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف من دية المسلمين، وأن عمر لم يرفعها فيما رفع عند تقويمه الدية لما غلت الإبل‏.‏

وقال أبو داود أيضًا في سننه‏:‏ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي، ثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏دية المعاهد نصف دية الحر‏"‏ قال أبو داود‏:‏ ورواه أسامة بن زيد الليثي، وعبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب مثله اهـ‏.‏

وقال النسائي في سننه‏:‏ أخبرنا عمرو بن علي قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى‏.‏‏.‏ ـ وذكر كلمة معناها ـ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين ـ وهم اليهود والنصارى‏"‏ أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال‏:‏ أنبأنا ابن وهب قال‏:‏ أخبرني أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏عقل الكافر نصف عقل المؤمن‏"‏‏.‏

وقال ابن ماجه رحمه الله في سننه‏:‏ حدثنا هشام بن عمار، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عياش، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى‏"‏‏.‏ وأخرج نحوه الإمام أحمد، والترمذي، عن عمرو عن أبيه عن جده‏.‏

قال الشوكاني في ‏"‏نيل الأوطار‏"‏‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب هذا حسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود‏.‏ وبهذا تعلم أن هذا القول أولى من قول من قال‏:‏ دية أهل الذمة كدية المسلمين‏.‏ كأبي حنيفة ومن وافقه‏.‏ ومن قال‏:‏ إنها قدر ثلث دية المسلم‏.‏ كالشافعي ومن وافقه‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

واعلم أن الروايات التي جاءت بأن دية الذمي والمعاهد كدية المسلم ضعيفة لا يحتج بها‏.‏ وقد بين البيهقي رحمه الله تعالى ضعفها في ‏"‏السنن الكبرى‏"‏ وقد حاول ابن التركماني رحمه الله في حاشيته على سنن البيهقي أن يجعل تلك الروايات صالحة للاحتجاج، وهي ليس فيها شيء صحيح‏.‏

أما الاستدلال بظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏}‏ فيقال فيه‏:‏ هذه دلالة اقتران، وهي غير معتبرة عند الجمهور‏.‏ وغاية ما في الباب‏:‏ أن الآية لم تبين قدر دية المسلم ولا الكافر، والسنة بينت أن دية الكافر على النصف من دية المسلم‏.‏ وهذا لا إشكال فيه‏.‏

أما استواؤهما في قدر الكفارة فلا دليل فيه على الدية‏.‏ لأنها مسألة أخرى‏.‏

الأدلة التي ذكرنا دلالتها أنها على النصف من دية المسلم أقوى، ويؤيدها‏:‏ أن في الكتاب الذي كتبه النَّبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم‏:‏ ‏"‏وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل‏"‏ فمفهوم قوله ‏"‏المؤمنة‏"‏ أن النفس الكافرة ليست كذلك‏.‏ على أن المخالف في هذه الإمام أبو حنيفة رحمه الله، والمقرر في أصوله‏:‏ أنه لا يعتبر دليل الخطاب أعني مفهوم المخالفة كما هو معلوم عنه‏.‏ ولا يقول بحمل المطلق على المقيد‏.‏ فيستدل بإطلاق النفس عن قيد الإيمان في الأدلة الأخرى على شمولها للكافر‏.‏ والقول بالفرق بين الكافر المقتول عمدًا فتكون ديتة كدية المسلم، وبين المقتول خطأ فتكون على النصف من دية المسلم ـ لا نعلم له مستندًا من كتاب ولا سنة‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

وأما دية المجوسي ـ فأكثر أهل العلم على أنها ثلث خمس دية المسلم‏.‏ فهو ثمانمائة درهم‏.‏ ونساؤهم على النصف من ذلك‏.‏

وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وأكثر أهل العلم‏.‏ منهم عمر وعثمان، وابن مسعود رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعطاء، وعكرمة، والحسن، وإسحاق‏.‏

وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال‏:‏ ديته نصف دية المسلم كدية الكتابي‏.‏

وقال النخعي، والشعبي‏:‏ ديته كدية المسلم‏.‏ وهذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله‏.‏

والاستدلال على أن دية المجوسي كدية الكتابي بحديث ‏"‏سنُّوا بهم سنَّة أهل الكتاب‏"‏ لا يتجه‏.‏ لأنا لو فرضنا صلاحية الحديث للاحتجاج، فالمراد به أخذ الجزية منهم فقط‏.‏ بدليل أن نساءهم لا تحل، وذبائحهم لا تؤكل اهـ‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ إن قول من ذكرنا من الصحابة‏:‏ إن دية المجوسي ثلث خمس دية المسلم، لم يخالفهم فيه أحد من الصحابة فصار إجماعًا سكوتيًا‏.‏ وقد قدمنا قول من قال‏:‏ إنه حجة‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ دية المرتد إن قتل قبل الاستتابة كدية المجوسي‏.‏ وهو مذهب مالك‏.‏ وأما الحربيون فلا دية لهم مطلقًا‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

الفرع السابع ـ اعلم أن العلماء اختلفوا في موجب التغليظ في الدية‏.‏ وبم تغلظ‏؟‏ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها تغلظ بثلاثة أشياء‏:‏ وهي القتل في الحرم، وكون المقتول محرمًا بحج أو عمرة، أو في الأشهر الحرم‏.‏ فتغلظ الدية في كل واحد منها بزيادة ثلثها‏.‏

فمن قتل محرمًا فعليه دية وثلث‏.‏ ومن قتل محرمًا في الحرم فدية وثلثان‏.‏ ومن قتل محرمًا في الحرم في الشهر الحرام فديتان‏.‏

وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله‏.‏ وروي نحوه عن عمر، وعثمان، وابن عباس رضي الله عنهم‏.‏ نقله عنهم البيهقي وغيره‏.‏

وممن روى عنه هذا القول‏:‏ سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، والشعبي، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وجابر بن زيد‏.‏ وقتادة، والأوزاعي، وإسحاق، وغيرهم‏.‏ كما نقله عنهم صاحب المغني‏.‏

وقال أصحاب الشافعي رحمه الله‏:‏ تغلظ الدية بالحرم، والأشهر الحرم، وذي الرحم المحرم، وفي تغليظها بالإحرام عنهم وجهان‏.‏

وصفة التغليظ عند الشافعي‏:‏ هي أن تجعل دية العمد في الخطأ‏.‏ ولا تغلظ الدية عند مالك رحمه الله في قتل الوالد ولده قتلًا شبه عمد‏.‏ كما فعل المدلجي بأبيه‏.‏ والجد والأم عنده كالأب‏.‏

وتغليظها عنده‏:‏ هو تثليثها بكونها ثلاثين حقه، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة في بطونها أولادها، لا يبالي من أي الأسنان كانت‏.‏ ولا يرث الأب عنده في هذه الصورة من دية الولد ولا من ماله شيئًا‏.‏

وظاهر الأدلة أن القاتل لا يرث مطلقًا من دية ولا غيرها، سواء كان القتل عمدًا أو خطأ‏.‏

وفرق المالكية في الخطأ بين الدية وغيرها‏.‏ فمنعوا ميراثه من الدية دون غيرها من مال التركة‏.‏ والإطلاق أظهر من هذا التفصيل، والله أعلم‏.‏ وقصة المدلجي‏:‏ هي ما رواه مالك في الموطإ، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب‏:‏ أن رجلًا من بني مدلج يقال له ‏"‏قتادة‏"‏ حذف ابنه بالسيف‏.‏ فأصاب ساقه فنزى في جرحه فمات‏.‏ فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له‏.‏ فقال له عمر‏:‏ أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك‏.‏ فلما قدم إليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، وقال‏:‏ أين أخو المقتول‏؟‏ قال‏:‏ ها أنذا‏.‏ قال‏:‏ خذها‏.‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليس لقاتل شيء‏"‏‏.‏

الفرع الثامن ـ اعلم أن دية المقتول ميراث بين ورثته‏.‏ كسائر ما خلفه من تركته‏.‏

ومن الأدلة الدالة على ذلك، ما روي عن سعيد بن المسيب‏:‏ أن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ الدية للعاقلة، لا ترث المرأة من دية زوجها‏.‏ حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها‏.‏ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه‏.‏ ورواه مالك في الموطإ من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد‏:‏ قال ابن شهاب‏:‏ وكان قتلهم أشيم خطأ‏.‏ وما روي عن الضحاك بن سفيان رضي الله عنه‏.‏ روي نحوه عن المغيرة بن شعبة وزرارة بن جري‏.‏ كما ذكره الزرقاني في شرح الموطإ‏.‏

ومنها ما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏قضى أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم‏"‏ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه‏.‏ وقد قدمنا نص هذا الحديث عند النسائي في حديث طويل‏.‏

وهذا الحديث قواه ابن عبد البر، وأعله النسائي‏.‏ قاله الشوكاني‏.‏ وهو معتضد بما تقدم وبما يأتي، وبإجماع الحجة من أهل العلم على مقتضاه‏.‏

ومنها ما رواه البخاري في تاريخه عن قرة بن دعموص النميري قال‏:‏ أتيت النَّبي صلى الله عليه وسلم أنا وعمي، فقلت‏:‏ يا رسول الله، عند هذا دية أبي فمره يعطنيها وكان قتل في الجاهلية‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أعطه دية أبيه‏"‏ فقلت‏:‏ هل لأمي فيها حق‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏ وكانت ديته مائة من الإبل‏.‏

وقد ساقه البخاري في التاريخ هكذا‏:‏ قال قيس بن حفص‏:‏ أنا الفضيل بن سليمان النميري قال‏:‏ أنا عائذ بن ربيعة بن قيس النميري قال‏:‏ حدثني قرة بن دعموص قال‏:‏ أتيت النَّبي صلى الله عليه وسلم أنا وعمي ـ إلى آخر الحديث باللفظ الذي ذكرنا‏.‏ وسكت عليه البخاري رحمه الله‏.‏ ورجال إسناده صالحون للاحتجاج‏.‏ إلا عائذ بن ربيعة بن قيس النميري فلم نر من جرحه ولا من عدله‏.‏

وذكر له البخاري في تاريخه، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ترجمة، وذكرًا أنه سمع قرة بن دعموص ـ ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا‏.‏

وظاهر هذه الأدلة يقتضي أن دية المقتول تقسم كسائر تركته على فرائض الله، وهو الظاهر‏.‏ سواء كان القتل عمدًا أو خطأ‏.‏ ولا يخلو ذلك من خلاف‏.‏

وروي عن علي رضي الله عنه أنها ميراث كقول الجمهور، وعنه رواية أخرى‏:‏ أن الدية لا يرثها إلا العصبة الذين يعقلون عنه، وكان هذا هو رأي عمر، وقد رجع عنه لما أخبره الضحاك بأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم إياه‏:‏ أن يورث زوجة أشيم المذكور من دية زوجها‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ هي ميراث، ولكنها لا تقضي منها ديونه‏.‏ ولا تنفذ منها وصاياه‏.‏ وعن أحمد رواية بذلك‏.‏

قال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ وقد ذكر الخرقي فيمن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل وأخذت ديته‏.‏ فللموصى له بالثلث ثلث الدية ـ في إحدى الروايتين‏.‏

والأخرى‏:‏ ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء‏.‏

ومبنى هذا‏:‏ على أن الدية ملك للميت، أو على ملك الورثة ابتداء‏.‏ وفيه روايتان‏:‏ إحداهما أنها تحدث على ملك الميت‏.‏ لأنها بدل نفسه، فيكون بدلها له كدية أطرافه المقطوعة منه في الحياة، ولأنه لو أسقطها عن القاتل بعد جرحه إياه كان صحيحًا وليس له إسقاط حق الورثة، ولأنها مال موروث فاشبهت سائر أمواله‏.‏ والأخرى أنها تحدث على ملك الورثة ابتداء‏.‏ لأنها إنما تستحق بعد الموت وبالموت تزول أملاك الميت الثابتة له، ويخرج عن أن يكون أهلًا لذلك، وإنما يثبت الملك لورثته ابتداء‏.‏ ولا أعلم خلافًا في أن الميت يجهز منها اهـ محل الغرض من كلام ابن قدامة رحمه الله‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ أظهر القولين عندي‏:‏ أنه يقرر ملك الميت لديته عند موته فتورث كسائر أملاكه‏.‏ لتصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم للضحاك في الحديث المذكور بتوريث امرأة أشيم الضبابي من ديته‏.‏ والميراث لا يطلق شرعًا إلا على ما كان مملوكًا للميت، والله تعالى أعلم‏.‏

المسألة السادسة ـ اختلف العلماء في تعيين ولي المقتول الذي جعل الله له هذا السلطان

المذكور في هذه الآية الكريمة في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً‏}‏‏.‏

فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بالولي في الآية‏:‏ الورثة من ذوي الأنساب والأسباب، والرجال والنساء، والصغار والكبائر‏.‏ فإن عفا من له ذلك منهم صح عفوه وسقط به القصاص، وتعينت الدية لمن لم يعف‏.‏

وهذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي رحمهم الله تعالى‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ هذا قول أكثر أهل العلم‏.‏ منهم عطاء، والنخعي، والحكم، وحماد والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي‏.‏ وروي معنى ذلك عن عمر، وطاوس، والشعبي‏.‏ وقال الحسن، وقتادة، والزهري، وابن شبرمة، والليث، والأوزاعي‏:‏ ليس للنساء عفو‏.‏ أي فهن لا يدخلن عندهم في اسم الولي الذي له السلطان في الآية‏.‏

ثم قال ابن قدامة‏:‏ والمشهور عن مالك أنه موروث للعصبات خاصة‏.‏ وهو وجه لأصحاب الشافعي‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ مذهب مالك في هذه المسألة فيه تفصيل‏:‏ فالولي الذي له السلطان المذكور في الآية الذي هو استيفاء القصاص أو العفو ـ عنده هو أقرب الورثة العصبة الذكور، والجد والإخوة في ذلك سواء‏.‏ وهذا هو معنى قول خليل في مختصره والاستيفاء للعاصب كالولاء، إلا الجد والإخوة فسيان اهـ‏.‏

وليس للزوجين عنده حق في القصاص ولا العفو، وكذلك النساء غير الوارثات‏:‏ كالعمات، وبنات الإخوة، وبنات العم‏.‏

أما النساء الوارثات‏:‏ كالبنات‏.‏ والأخوات، والأمهات فلهن القصاص‏.‏ وهذا فيما إذا لم يوجد عاصب مساو لهن في الدرجة‏.‏

وهذا هو معنى قول خليل في مختصره‏:‏ وللنساء إن ورثن ولم يساوهن عاصب‏.‏

فمفهوم قوله ‏"‏إن ورثن‏"‏ أن غير الوارثات لا حق لهن، وهو كذلك‏.‏

ومفهوم قوله‏:‏ ‏"‏ولم يساوهن عاصب‏"‏ أنهن إن ساواهن عاصب‏:‏ كبنين، وبنات، وإخوة وأخوات، فلا كلام للإناث مع الذكور‏.‏ وأما إن كان معهن عاصب غير مساو لهن‏:‏ كبنات، وإخوة‏.‏ فثالث الأقوال هو مذهب المدونة‏:‏ أن لكل منها القصاص ولا يصح العفو عنه إلا باجتماع الجميع‏.‏ أعني ولو عفا بعض هؤلاء، وبعض هؤلاء‏.‏ وهذا هو معنى قول خليل في مختصره‏:‏ ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم‏.‏ يعني ولو بعض هؤلاء وبعض هؤلاء‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ الذي يقتضي الدليل رجحانه عندي في هذه المسألة‏:‏ أن الولي في هذه الآية هم الورثة ذكورًا كانوا أو إناثًا‏.‏ ولا مانع من إطلاق الولي على الأنثى‏.‏ لأن المراد جنس الولي الشامل لكل من انعقد بينه وبين غيره سبب يجعل كلًا منهما يوالي الآخر‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ‏}‏‏.‏

والدليل على شمول الولي في الآية للوارثات من النساء ولو بالزوجية ـ الحديث الوارد بذلك، قال أبو داود في سننه‏:‏ ‏(‏باب عفو النساء عن الدم‏)‏ حدثنا داود بن رشيد، ثنا الوليد عن الأزواعي‏:‏ أنه سمع حصنا، أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة‏"‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ بلغني أن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء‏.‏ وبلغني عن أبي عبيدة في قوله ‏"‏ينحجزوا‏"‏ يكفوا عن القود‏.‏

وقال النسائي رحمه الله في سننه‏:‏ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا الوليد بن الأوزاعي قال‏:‏ حدثني حصين قال‏:‏ حدثني أبو سلمة ‏(‏ح‏)‏ وأنبأنا الحسين بن حريث قال‏:‏ حدثنا الوليد قال‏:‏ حدثنا الأوزاعي قال‏:‏ حدثني حصين‏:‏ أنه سمع أبا سلمة يحدث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة‏"‏ اهـ‏.‏

وهذا الإسناد مقارب‏.‏ لأن رجاله صالحون للاحتجاج، إلا حصنًا المذكور فيه ففيه كلام‏.‏

فطبقته الأولى عند أبي داود‏:‏ هي داود بن رشيد الهاشمي مولاهم الخوارزمي نزيل بغداد وهو ثقة‏.‏ وعند النسائي حسين بن حريث، وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ وحسين بن حريث الخزاعي مولاه أبو عمار المروزي ثقة‏.‏

والطبقة الثانية عندهما‏:‏ هي الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، وهو من رجال البخاري ومسلم وباقي الجماعة‏.‏

والطبقة الثالثة عندهما‏:‏ هي الإمام الأوزاعي وهو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو أبو عمر الأوزاعي، وهو الإمام الفقيه المشهور، ثقة جليل‏.‏

والطبقة الرابعة عندهما‏:‏ هي حصن المذكور وهو ابن عبد الرحمن، أو ابن محصن التراغمي أبو حذيفة الدمشقي، قال فيه ابن حجر في ‏"‏التقريب‏"‏‏:‏ مقبول‏.‏ وقال فيه في ‏"‏تهذيب التهذيب‏"‏‏:‏ قال الدارقطني شيخ يعتبر به، له عند أبي داود والنسائي حديث واحد ‏"‏على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة‏"‏ ‏(‏قلت‏)‏‏:‏ وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وقال ابن القطان لا يعرفه حاله ‏(‏ا هـ‏)‏ وتوثيق ابن حبان له لم يعارضه شيء مانع من قبوله‏.‏ لأن من اطلع على أنه ثقة حفظ ما لم يحفظه مدعي أنه مجهول لا يعرف حاله‏.‏ وذكر ابن حجر في ‏"‏تهذيب التهذيب‏"‏ عن أبي حاتم ويعقوب بن سفيان أنهما قالا‏:‏ لا نعلم أحدًا روى عنه غير الأوزاعي‏.‏

والطبقة الخامسة عندهما‏:‏ أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو ثقة مشهور‏.‏

والطبقة السادسة عندهما‏:‏ عائشة رضي الله عنها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقد رأيت أن ابن حبان رحمه الله ذكر حصنا المذكور في الثقات‏.‏ وأن بقية طبقات السند كلها صالح للاحتجاج‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

تنبيه

إذا كان بعض أولياء الدم صغيرًا، أو مجنونًا، أو غائبًا‏.‏ فهل للبالغ الحاضر العاقل‏:‏ القصاص قبل قدوم الغائب، وبلوغ الصغير، وإفاقة المجنون‏؟‏ أو يجب انتظار قدوم الغائب، وبلوغ الصغير‏.‏‏.‏‏!‏ الخ‏.‏

فإن عفا الغائب بعد قدومه، أو الصغير بعد بلوغه مثلًا سقط القصاص ووجبت الدية‏.‏ في ذلك خلاف مشهور بين أهل العلم‏.‏

فذهبت جماعة من أهل العلم إلى أنه لا بد من انتظار بلوغ الصغير، وقدوم الغائب، وإفاقة المجنون‏.‏

وهذا هو ظاهر مذهب الإمام أحمد‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ وبهذا قال ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو يوسف، وإسحاق، ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله‏.‏ وعن أحمد رواية أخرى للكبار العقلاء استيفاؤه‏.‏ وبه قال حماد، ومالك، والأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة اهـ محل الغرض من كلام صاحب المغني‏.‏

وذكر صاحب المغني أيضًا‏:‏ أنه لا يعلم خلافًا في وجوب انتظار قدوم الغائب‏.‏ ومنه استبداد الحاضر دونه‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ إن كانت الغيبة قريبة فهو كما قال‏.‏ وإن كانت بعيدة ففيه خلاف معروف عند المالكية‏.‏ وظاهر المدونة الانتظار ولو بعدت غيبته‏.‏

وقال بعض علماء المالكية منهم سحنون‏:‏ لا ينتظر بعيد الغيبة‏.‏ وعليه درج خليل بن إسحاق في مختصره في مذهب مالك، الذي قال في ترجمته مبينًا لما به الفتوى بقوله‏:‏ ‏(‏وانتظر غائب لم تبعد غيبته‏.‏ لا مطبق وصغير لم يتوقف الثبوت عليه‏)‏‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏ ما نصه‏:‏ والدليل على أن للصغير والمجنون فيه حقًا أربعة أمور‏:‏ أحدها ـ أنه لو كان منفردًا لاستحقه‏.‏ ولو نافاه الصغر مع غيره لنافاه منفردًا كولاية النكاح‏.‏ والثاني ـ أنه لو بلغ لاستحق‏.‏ ولو لم يكن مستحقًا عند الموت لم يكن مستحقًا بعده‏.‏ كالرقيق إذا عتق بعد موت أبيه‏.‏ والثالث ـ أنه لو صار الأمر إلى المال لاستحق، ولو لم يكن مستحقًا للقصاص لما استحق بدله كالأجنبي‏.‏ والرابع ـ أنه لو مات الصغير لاستحقه ورثته، ولو لم يكن حقًا لم يرثه كسائر ما لم يستحقه‏.‏

واحتج من قال‏:‏ إنه لا يلزم انتظار بلوغ الصبي ولا إفاقة المجنون المطبق بأمرين‏:‏

أحدهما ـ أن القصاص حق من حقوق القاصر، إلا أنه لما كان عاجزًا عن النظر لنفسه كان غيره يتولى النظر في ذلك كسائر حقوقه فإن النظر فيها لغيره، ولا ينتظر بلوغه في جميع التصرف بالمصلحة في جميع حقوقه‏.‏ وأولى من ينوب عنه في القصاص الورثة المشاركون له فيه‏.‏ وهذا لا يرد عليه شيء من الأمور الأربعة التي ذكرها صاحب المغني‏.‏ لأنه يقال فيه بموجبها فيقال فيه‏:‏ هو مستحق لكنه قاصر في الحال، فيعمل غيره بالمصلحة في حقه في القصاص كسائر حقوقه‏.‏ ولا سيما شريكه الذي يتضرر بتعطيل حقه في القصاص إلى زمن بعيد‏.‏

الأمر الثاني ـ أن الحسن بن علي رضي الله عنه قتل عبد الرحمن بن ملجم المرادي قصاصًا بقتله عليًا رضي الله عنه، وبعض أولاد علي إذ ذاك صغار، ولم ينتظر بقتله بلوغهم، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة ولا غيرهم‏.‏ وقد فعل ذلك بأمر علي رضي الله عنه كما هو مشهور في كتب التاريخ‏.‏ ولو كان انتظار بلوغ الصغير واجبًا لانتظره‏.‏

وأجيب عن هذا من قبل المخالفين بجوابين‏:‏ أحدهما ـ أن ابن ملجم كافر‏.‏ لأنه مستحل دم علي، ومن استحل دم مثل علي رضي الله عنه فهو كافر‏.‏ وإذا كان كافرًا فلا حجة في قتله‏.‏ الثاني ـ أنه ساع في الأرض بالفساد، فهو محارب، والمحارب إذا قتل وجب قتله على كل حال ولو عفا أولياء الدم‏.‏

كما قدمناه في سورة ‏"‏المائدة‏"‏ وإذن فلا داعي للانتظار‏.‏

قال‏:‏ البيهقي في السنن الكبرى ما نصه‏:‏ قال بعض أصحابنا‏:‏ إنما استبد الحسن بن علي رضي الله عنهما بقتله قبل بلوغ الصغار من ولد علي رضي الله عنه‏.‏ لأنه قتله حدًا لكفره لا قصاصًا‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏‏:‏ فأما ابن ملجم فقد قيل إنه قتله بكفره‏.‏ لأنه قتل عليًا مستحلًا لدمه، معتقدًا كفره، متقربًا بذلك إلى الله تعالى‏.‏ وقيل‏:‏ قتله لسعيه في الأرض بالفساد وإظهار السلاح، فيكون كقاطع الطريق إذا قتل، وقتله متحتم، وهو إلى الإمام‏.‏ والحسن هو الإمام، ولذلك لم ينتظر الغائبين من الورثة‏.‏ ولا خلاف بيننا في وجوب انتظارهم‏.‏ وإن قدر أنه قتله قصاصًا فقد اتفقنا على خلافه‏.‏ فكيف يحتج به بعضنا على بعض‏.‏ انتهى كلام صاحب المغني‏.‏

وقال ابن كثير في تاريخه ما نصه‏:‏ قال العلماء‏:‏ ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس بن علي‏.‏ فإنه كان صغيرًا يوم قتل أبوه‏.‏ قالوا‏:‏ لأنه كان قتل محاربة لا قصاصًا‏.‏ والله أعلم اهـ‏.‏

واستدل القائلون بأن ابن ملجم كافر بالحديث الذي رواه علي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من أشقى الأولين‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ عاقر الناقة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏صدقت‏.‏ فمن أشقى الآخرين‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ لا علم لي يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏الذي يضربك على هذا ـ وأشار بيده على يافوخه ـ فيخضب هذه من هذه ـ يعني لحيته ـ من دم رأسه‏"‏ قال‏:‏ فكان يقول‏:‏ وددت أنه قد انبعث أشقاكم‏"‏ وقد ساق طرق هذا الحديث ابن كثير رحمه الله في تاريخه، وابن عبد البر في ‏"‏الاستيعاب‏"‏ وغيرهما‏.‏